قال تعالى في كتابه الحكيم (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيراً)، وفي موضِعٍ آخر يقول ربُّ العِزَّة (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ). في هاتين الآيتين الكريمتين تصريح شديد بحرمة قتل الأبناء خوفاً من الفقر والعَوَز. وهذه الآيات تم تقديم الضمائر فيهما لحكمة كبيرة من الله عزَّ وجل. ففي الآية الأولى؛ قدّم الله سبحانه وتعالى رزق الأبناء على رزق الآباء، فالخطاب هُنا موجَّه لغير الفقراء، الذين يقتلون أبناءهم خوفاً من أن تدفعهم تكاليف الحياة إلى دفع الكثير مما يؤول بهم إلى الفقر، بينما الآية الثانية موجَّة في خطابها إلى الفقراء، وهم الذين يقتلون أبناءهم لأنهم يعيشون في الفقر؛ ولا يريدون أطفالاً تزيد عليهم التكاليف ويزيدوا في فقرهم.
والإجهاض في جميع الأديان مُحرَّمة، فهي نوعٌ من قتل النفس التي حرَّم الله، فالجنين لا ذنب له حتى يتم حرمانه من حياته قبل حتى أن يخرجَ إليها. والدليل على تحريم الإجهاض في قوله تعالى (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ). فساد، إهلاك النسل أي الإجهاض هو فساد يبغضه الله سبحانه وتعالى. واختلف العلماء بموعد تحريم الإجهاض، فمنهم من رأى أنه يجوز الإجهاض إذا كان هناك سبب في الأربعين يوماً الأولى؛ ويُحرَّم بعد ذلك، ومنهم من رأى حرمة الإجهاض من اليوم الأول لنزول النطفة في الرحم، ولكن الجميع أجمع على أنه بعد الأربعين يوماً يُحرَّم الإجهاض نهائياً. ونحن هُنا نتحدَّث عن الإجهاض الاختياري، حيث تختار الأم أن تجهض جنينها لأيِّ سببٍ كان، وليس في حالات الإجهاض الطبيعي التي ليس للأم يدٌ بها، كأن تسقط فيتم الإجهاض، أو أن يكون الحمل ضعيفاً فيسقط من تلقاء نفسه، إلخ من هذه الأمور التي تكون بيد الله وحده.
ديننا الحنيف دين رحمة، وتحريم الإجهاض جاء رحمة بالأطفال والأمهات، حيث أن للإجهاض آثارٌ جانبية شديدة الخطورة على الأم، فهنالك مضاعفات كثيرة لا تُحصى قد تحصل للأم في حالة عمل إجهاض اختياري، ومنها ثقب الرحم والنزيف وجرح عنق الرحم؛ وقد تؤدي إلى تهتُّك عنق الرحم أو تهتُّك الرحم نفسه أو حدوث التهابات في الجهاز التناسلي؛ مما قد يؤدي إلى انعدام حصول الحمل في المستقبل لا سمح الله. وهذه ليست بالأعراض التي يمكن التغاضي عنها؛ أو احتمال التعرُّض لها، فالآلام النفسية والجسدية المُصاحبة لها تكون كبيرة لدرجة قد لا تحتملها الأم.
كلُّ ما ذُكِر لا يعني أن حياة الأم لا تعني شيئاً، بل لقد أجاز العلماء بمشروعية الإجهاض إذا ثبتَ بالدليل القاطع أن بقاء الحمل قد يُعرِّض حياة الأم للخطر، وهذا لا يتم إلا بفتوى شرعية ولكل حالة على حدة، فالمُفتي لا بدَّ وأن يرى تقاريراً من جهات طبية معتمدة تُثبِت بما لا يدع مجالاً للشك؛ أن بقاء الجنين في رحم الأم يُشكِّل خطراً على حياتها، وقال العلماء في ذلك كما جاء في الفتوى هو "رُخِّص في الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين وجلبا لعظمى المصلحتين"، وهذا التصريح لا يتعلَّق بفترة الحمل ولا مدَّته، فمتى ما ثبت أن الحمل خطرٌ على حياة الأم؛ فيتم فوراً عمل الإجراءات اللازمة لإجهاض ذلك الحمل.
إن الأطفال زينة الحياة الدنيا، ولا يعرف قيمتهم إلا من حُرِم منهم، هو من ترى في عينيه قيمة أن يكون لك ولد أو بنت، ترى نظرة الحسرة في عينيه؛ والرغبة الشديد أنه لو يكون مكانك. وأقسى منها نظرة المرأة إلى الأطفال، فهي التي وضع الله سبحانه وتعالى الغريزة للأمومة، وكم أتعجَّب مِمَّن تُجهض حملها بغضِّ النَّظر عن الأسباب، فاتقي الله يا أمة الله؛ واتقي الله يا عبد الله في ابنائكم، وتذكَّروا أنكم ملاقوا ربكم، وأنكم يومئذٍ ستُسألون. قولوا ماذا سيكون جوابكم حينها (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت).
المقالات المتعلقة بما هو حكم اجهاض الجنين